dansudan
احداث دارفور بما حملته من مآسي والام واشكالات، دفعت النخب وغيرها لفهم ما يجري، فانعقدت مؤتمرات وصدرت كتب، على اثر التغطية الاعلامية الرهيبة التي احاطت بالحدث، خصوصاً ان من احضروا الاسلحة ورسموا الخرطة واعدوا الهندسة للفتنة، احاطوها كذلك بالحضور الاعلامي فتزامنت الطلقة النارية مع الطلقة الاعلامية وبينما استقرت الطلقة النارية في اجسام سودانية استقرت الطلقة الاعلامية في العقل والوجدان العالمي، فاصبحت دارفور حاضرة وشاخصة في المخيلة والوجدان.
وكغيري فقد شغلت بنبأ دارفور ونبأ ما وراء دارفور وهذا الكتاب يعالج قضايا هجرات شعب الهوسا في تلمسه لطريق الحج وكيف ان هذا الشعب اسهم في التجارة والثقافة والسلام والامن ما بين محور السودان الغربي وعماده كانو وانجمينا ودارفور، ومحور السودان النيلي. وان واسطة العقد كانت دارفور، وتبدأ الدراسة بتحديد منطقة الهوسا والتي هي تخوم ممتدة ما بين النيجر ونيجيريا ومساحتها 75 الف ميل مربع وانه في وقت اجراء الدراسة اي في عام 1969 - 1970 كان هناك 15 مليون هوساوي في نيجيريا و 5،1 مليون هوساوي في النيجر بالاضافة الى الهوسا في التيه اوالغربة في تشاد والسودان والحجاز الخ.
تعريف الهوسا:
ويعني مصطلح هوسا لغة الهوسا وهي لغة شادية، اكتسبت عبر السنين الاف المصطلحات العربية، وتختلف النظريات حول الجذور التاريخية لاصول الهوسا ما بين من ينسبهم الى هجرات من الشرق الاوسط او الى تكتلات سكانية افريقية زنجية، وما يهم في هجرات الهوسا انها اسهمت في تكوين تاريخ وثقافة تشاد وغرب السودان.
ودخل الهوسا تاريخ المنطقة بشدة بعد جهاد الفوديين في مناطق الهوسا بقيادة الشيخ عثمان دان فودي الذي حكم من مدينة سكوتو وتوفى في 1813م. وكانت خلافة سكوتو محاولة رائدة لتطبيق الشريعة و النظام الاسلامي في غرب افريقيا. وتقبل الهوسا حركة الشيخ عثمان وناصروها مما ادى الى امتزاج الهوسا بالفلاني واكتساب الخصائص المشتركة بما فيها اللغة مما شكل صعوبة في التمييز بينهما.
المؤثر الغربي في اسلام السودان:
والى حين من الدهر، تركز الكلام في اسلام السودان، على اشعاع المحور النيلي، الذي يستمد مكوناته من مصر الحجاز والعالم الاسلامي الشرقي في تجاهل للمؤثر الغربي في تشكيل الذات السودانية، وقد تلمس هذا الكاتب ذلك جزئياً في تشريحه لمكونات العقل التشادي والدارفوري.
وتركز جوهر بحث الكاتب، في استقصاء الروايات الشفاهية في عمل ميداني شاق وسط مستوطنات الهوسا في تشاد وعلى الاخص في انجمينا وابشي.
وتوافقت ظروف العمل الميداني، مع تطورات القتال في الثورة التشادية والتي لم يشارك فيها الهوسا الا انهم اثروا وتأثروا بتأثيرات الحرب الاقتصادية والتجارية وتحتضن انجمينا ما يعادل 30% من هوسا تشاد.
ويلخص الهوسا تجربتهم التاريخية القائمة على الاغتراب في المثل القائل «الغريب رجل اعمى له عينان». ويستمد الهوسا خصوصيتهم في المدن التشادية كغرباء وتجار اصحاب اموال ومسلمين ملتزمين ومستوطنين قدامى واصحاب تجارة متجولة، حيث كونت التجارة العابرة للحدود شخصية الهوسا التجارية وارتبط الوجدان والنسيج الاجتماعي للهوسا بطريق الحج ما بين دارفور والمدينة واصبح للهوسا مسار دائري من طرابلس الى بولاق التكرار الى الحجاز ومسار آخر عبر دارفور الفاشر وكردفان ثم الجزيرة الى البحر الاحمر.
قراءة في احصائيات الحج لعام 1970:
وحسب احصائيات الحجاج الافارقة لعام 1970م فقد جاءت نيجيريا في الصدارة بنسبة 24 الف حاج وتليها مصر ما يزيد من 13 الف حاج ثم المغرب حوالي 7 آلاف حاج ثم الجزائر حوالي 6 آلاف حاج والفائدة ان نسب معتبرة من الحجيج النيجيريين من الهوسا مما قد يجعل حجاج الهوسا وحدهم اكثر من الحجيج المصريين في ذاك العام.
ويشير الكاتب الى اشتهار كتاب الفقيه محمد بيلو وسط حجاج غرب افريقيا والمسمى «تنبيه الرافد لما يعتري الحج من مفاسد». علما بانه لم ترصد المراصد، اي امير فلاني في الحج، الا بعد الثلاثينات بعد دخول الخطوط الملكية البريطانية لنقل الحجيج و لكن ما اكثر كبراء وامراء الهوسا الذين ادوا الشعيرة.
واشار الى ذلك ترمنجهام قائلا:« ان طرق غرب افريقيا حملت مخاطر جمة نتيجة للحروبات والغزو الاستعماري ولم يكن وارداً ان يقوم زعيم ديني معتبر بمغامرة اداء الحج ولكن لكل قاعدة استثناء ولاحظ برون broone وجود مواطني غرب افريقيا في نهاية القرن الثامن عشر في دارفور وكردفان حتى الشرق، علما بان اثرياء الفور كانوا يحجون عبر طريق الاربعين.
كما برزت اسطورة ان العصر عصر المهدي وتزامن ذلك مع الجهاد في مناطق الهوسا وكان الشيخ دان فودي يعتقد ان غزواته هي الشروط الموضوعية المطلوبة لتأهيل الزمان والمكان لاستقبال المهدي الذي سيظهر في المحور النيلي مما ادى لهجرة واسعة في اتجاه النيل والحجاز.
المزيد حول نبوءة منسوبة للشيخ دان فودي:
مما نسب الى الشيخ عثمان ان الهجرة الى المهدي ستأخذ طريق بوجو الى مسيهاكوم ثم الى سارا، ثم ساروا ثم واراشي ثم بوسو ثم الى تلال كاجوم - ثم تلال كيجا ثم تلال زرافة ثم الى رواحي ثم الى ديجا ثم الى كاي ثم النوبة ثم مناجم الذهب حيث يوجد 99 جبلاً - وكتب الاسماء بحروفها العربية وعلق الشارح قائلا انه يعرف ثلاثة منها وهي فازوغلي، فافجول وفانكجول وبعد يومين من السفر نصل الى النيل المسيحي.
وربما تكون الاشارة لارض المعدن او حفرة النحاس ومع مرور الاشارة الى النوبة الى انه لم ترد اشارات الى الفاشر او الابيض. وشاعت بعد ذلك اسطورة ان كل المسلمين سيلتقون في مكة في 1400هـ الموافق 1980م.
وبرزت قصة امير المؤمنين محمد الطاهر الذي هاجر في رفقة بضعة الاف من اتباعه الى سودان المحور النيل ولكنه قتل في معركة يورمي على يد الانجليز في عام 1903م بينما واصل ابنه محمد بيلو ما يرنو هجرته التي تأسست عليها مستوطنة ما يرنو الحالية في سنار.
كما شاع ارسال الجواسيس من قبل خلافة صوكتو الى دارفور ووداي منذ ايام السلطان محمد بيلو لتتبع اخبار ظهور المهدي وبرزت ظاهرة المدن المتحركة لانتظار خروج المهدي او الحج او تقوية لاسباب الهجرات الاقتصادية اما في اوساط الهوسا، فقد تركز نشاطها حول الحج ومحبة الحجيج ونظم الحج، وجغرافيته وايدلوجيته وسبل تقوية بناء سياسي مناسب لذلك في اطار ثقافة مادية ولغوية، لان رحلة الحج ارتبطت كذلك باستخدام الارض وصراعاتها وكسب الرزق في هذه الرحلة الطويلة التي ربما استغرقت العمر كله، لذلك يقوم الحاج بتوزيع تركته وكتابة وصيته ويسلم امره للفقيه وكان وجود الفقيه يمثل صمام امان الرحلة للقافلة لانه كرجل مبارك لا ينهب وانما يسمح له ببلوغ مأمنه عبر ابشي ودار صليح والفاشر والنهود والابيض ود مدني ثم على النيل ثم الى سواكن او غيرها.
وسط حروبات القبائل ومجموعات قطاع الطرق والنهب. وادي بروز دولتي رابح فضل الله في بورنو ووداي ودولة علي دينار الى خلق ظروف جديدة ادت احياناً الى تغيير طريق الحج مما يحتاج الى دراسة تفصيلية.
الجيوش الاوروبية تملأ الفراغ في غرب افريقيا:
مثل رابح فضل الله العدو الاول والتحدي الكبير امام القوات الفرنسية الساعية لربط امبراطوريتها في شمال وغرب وافريقيا الاستوائية. بينما مالت بريطانيا لمغازلته. ولكن عزمت فرنسا على استئصاله، بعد ان قتل القائد الفرنسي كرامبل وشتت جيوشه، لذا عمدت فرنسا الى تجميع جيوشها من انحاء الامبراطورية الفرنسية الافريقية «الجزائر وداكار وبرازفيل»، حيث التقت برابح فضل الله في معركة كسري الشهيرة على انهار شاري في الكميرون وعلى بضع اميال من انجمينا الحالية في 22 ابريل 1900م، حيث هزم رابح واغتيل ولكن كذلك بعد ان قام باغتيال قائد القوات الفرنسية لامي الذي سميت انجمينا باسمه «فورت لامي».
مؤثر نيلي اسمه عبد الكريم في وداي:
كثير من السودانيين، لا يعرفون مؤسس دولة وداي في القرن السابع عشر هو نازح نيلي اسمه عبد الكريم مثله مثل احمد المعقور مؤسس دولة الفور ولكن نجهل الكثير كيف استطاع هذا الفقيه النيلي المنسوب لقبائل الجعليين او البديرية ازاحة الاسرة التنجورية الحاكمة، وان اتفقت الروايات على بركته وبسطه للاسلام وتأسيسه للعاصمة في وارا.
وما نعرفه ان خليفته عبد الكريم الثاني او عبد الكريم صابون 1803 / 1813 وسع التجارة وحدود المملكة وجاء على نقيضه خليفته يوسف 1813 / 1839 الذي قيد التجارة واضطهد الناس ولكن اضطر خلفاؤه لاعادة المملكة لسيرتها الاولى في فتح الحدود للتجار والحجاج والسياح واقامة الصلات مع السنوسية في ليبيا.
ومنذ ايام السلطان صابون جاء الجلابة من دنقلا عبر دارفور وتمثلت التجارة في الصمغ العربي والعاج وريش النعام وتمر الهندي والجلود والعبيد واصبحت الفاشر عاصمة دارفور نموذجاً في استقبال الحجيج والتجارة بالنسبة لوداي. ومنذ ذلك الوقت حوت الحوليات صراعات الفلاني مع المساليت والمساليت مع غيرهم من ا لقبائل البدوية الافريقية التي تمثلت الاسلام فاصبح يطلق عليها قبائل عربية.
وحينما وصل الرحالة الشهير التونسي الى وداي وجد الفلاني يتخاطبون باللغة الهوسوية.
وشقت الطريقة التجانية طريقها الى دارفور في شخص عمر جانبو الذي اصبح في حاشية السلطان علي دينار ومؤثراً مثله مثل والد الخليفة عبد الله التعايشي الذي جاء من منطقة لا تزال مثيرة للجدل في غرب افريقيا وعاش وسط التعايشة في جنوب دارفور.
وبرزت في السودان الوسيط كذلك السنوسية واستطاع السيد محمد شريف «1858 / 1835» تحجيم وداي وتأسيس مدينة ابشي الحالية ثالث المدن التشادية في 1850 وجاء توسع السلطان محمد شريف نتيجة للمساعدات التي قدمها له سلطان الفور محمد الفضل كما انتبهت وداي في هذه الفترة الى مركز فيها ما بين كانو والخرطوم، وبن غازي ومامبو وسعت كل من المهدية والسنوسية لكسب ود وداي كما ارتبطت تجارة وداي مع تجارة واو وراجا وكافي كانجي وظلت العربية هي لغة التجارة والحضارة والعبادة في كل منطقة السودان والوسط. كما ظلت دارفور هي مأوى اللاجئين السياسيين من كل المنطقة الممتدة ما بين كانو والخرطوم.
وفي اطار ذلك تجئ اسطورة الحاج بابا علي «babalay» الذي نجح في مد خطوط التجارة الى الفاشر وابشي وجاء بفقهاء للتعليم في ابشي وبني اول مسجد في ابشي، كما برزت في ابشي الطريقة القادرية التي اسسها آل الكنتي الذين جاءوا من تمبكتو وامتدت آثارهم الى دارفور، وكان متوسط الحجيج الذين يدخلون ابشي/ دارفور في الستينات في حدود ما بين 11 الف الى 17 سنوياً - غير القادمين للتجارة والهجرات الاخرى.
بقايا جيش رابح يشكلون اساس السلطة:
ومن سخريات الاقدار ان الاستعمار الفرنسي لم يجد الا ان يرتكز على بقايا اعوان رابح بعد اغتياله في تثبيت اركان ادارتهم حيث اصبح شيخ عمر كورا رئيسا على ديكو dikwa والهوساوي المعلم هارون على جنب البحر في فورت لامي والمعروف ان جيش رابح دمج الكانوري - البرنو - البارما والكوتكو وعرب شوا والتعايشة والباندا وقريش وعلى هؤلاء قامت مدينة انجمينا الحالية. وتكشف احصائيات مدينة فورت لامي «انجمينا» لعام 1911 الوضع الديمغرافي «السكاني للمدينة» حيث جاءت الخريطة العرقية للمدينة كالآتي:
العرب 669
الباندا 307
البارما 80
البوا 43
الفلاني 60
الفور «جلابة» 34
الحداد «هل هم زغاوة» 81
هوسا 80
كانوري «برنو» 606
كوتكو 80
قريش 21
نيلليم 205
ساراكاب 313
سارما ماينجاي 184
جنود سنغاليين 121
الجميع 148،3
ولعل الوضع الديمقرافي الحالي لانجمينا يعتبر انقلابا، مقارنة باوضاعها في عام 1911م ومن المؤكد ان ذات الشئ حدث في دارفور واذا كان في خلال سبعين سنة تضاعف عدد الهوسا فقط في انجمينا من قبضة يد من العائلات الى بضعة آلاف فكذلك الحال في دارفور مع مكونات غرب افريقيا.
واذا كان الانتماء الى الهوسا ليس مجرد مناسبة عنصرية وانما انخراط في مسار تربوي واجتماعي فكذلك الامر والمسار لاكتساب عضوية الانتماء لدارفور.
الاسلام بين تشاد ودارفور:
تترواح التقديرات المعاصرة لمسلمي تشاد ما بين 75% الى 45% من مجمل السكان وربما كان 65% تقدير مناسب. وكما هو الحال في انحاء افريقيا، فان انتشار الاسلام، جاء نتيجة للتجارة والحج والتعليم وبروز ممالك اسلامية في المنطقة - ولكن دارفور هي صومال افريقيا الاخرى، حيث ساد الاسلام وسط الجميع، كما يتبارى الدارفوريون والصوماليون، بوجود اكبر نسبة من حفظة القرآن وسطهم على مستوى العالم الاسلامي، ودخل الاسلام في حوض تشاد منذ القرن الرابع عشر الميلادي على يد الدعاء والقبائل العربية مثل حسونة وجهينة وتوطن العرب كمزارعين ورعاة. وارتبطت مراكز الاسلام حوض تشاد ودارفور بالمراكز الاسلامية في كانو وطرابلس والكفرة والمدن النيلية والساحلية على البحر الاحمر، واذا ما مثلت افريقيا ما وراء الصحراء حدوداً رئيسية في العالم الاسلامي لحركة المد الاسلامي فان تشاد ودارفور تمثلان المركز لهذا القطاع من دار الاسلام بتقاطعها مع اعماق افريقيا وجوارها لشمالها، مما ادى الى ان تكون مسرحاً للتجاذبات الحضارية والدولية ومختلف تأثيرات الاسلام المتبادلة غرباً وشمالاً. كما اصحبت حركة الاسلام في هذه المنطقة مستوعبة للافكار الجديدة في العالم الاسلامي ومرتبطة بما فيه من حراك «سنوسية، مهدية، مغاربية، صوفية، حركات اسلامية معاصر الخ».
مراقبة ورصد الاسلام في تشاد ودارفور:
دلت التجربة التاريخية على عدم القدرة على حجب الاسلام عن تشاد وجوارها فكان البديل هو المسح والرصد والاحتواء وادي طريق الحج وايدلوجية الحج لوحدة الحراك السكاني القائم على التطهر ووحدة الهدف الى اشعاعٍ تضاءل تأثيره بمجئ الطائرة والنقل الحديث.
وقامت السياسة الفرنسية تجاه الاسلام في غرب افريقيا، ان الاسلام رسول حضارة وتوحيد وتجارة وتعليم ولكن يوازي ذلك الخوف من الاسلام كاساس للمقاومة والانعتاق من الاستعمار. و ظلت هذه الازدواجية شاخصة في الذهنية الاستعمارية، فمن ناحية العقل الاسلامي ذكي وماهر ومخلص للعمل والتجارة ولكن كذلك الاسلام يرفض الخنوع للكافر والمحتل علماً بانه يمكن تطوير عقلية اسلامية قابلة للتعايش وسط المغيبين وغير المنتبهين لمطلوبات سلامهم.
سعت الادارة الاستعمارية، لتقوية النزاعات الاسلامية المحلية وتقوية النعرات العرقية والاثنية داخل الاسلام بدعم المساجد المحلية التي تخدم عرقيات بعينها كما عملت على اضعاف الرابط الثقافي مع نيجيريا والنيل والشرق الاوسط وعلى سبيل المثال، فحينما وصلت شحنة ملابس مصرية، بعد الحرب العالمية الثانية تحمل صور محمد نجيب الى انجمينا عام 1953م تم تدميرها لايحاءاتها الثورية.
ظلت السلطات الفرنسية تحتفظ بسجل لكل شخصية دينية وكل حاج هام يمر بالمنطقة، كما حرصت على تقييد حركة الحجيج من السنغال حتى انه من عام 1906 الى 1911 ذهب فقط 11 سنغالياً للحج. وفي 1958م ومن اصل الاف الحجاج العابرين من غرب افريقيا كان فقط 46 من النيجر.
في الخمسينات، كانت هناك فقط اربعة مساجد في انجمينا للجمعة بالاضافة الي الزوايا وكانت هناك 23 زاوية للكانوري «البرنو»، 6 للهوسا، الوداي، الجلابة وواحد للعرب وواحد للسنغاليين ومجموعها 36 مسجداً وزاوية، ويبدو ان 90% من سكان انجمينا مسلمين وكانت نسبة البرنو لكل مسجد 1/ 237 بينما عند الهوسا 1/133.
وفي مسح عام 1947م للخلاوي برز ان هناك 80 خلوة وان معظم مدرسيها جاءوا من نيجيريا ومناطق البرنو والهوسا.
وبينما كانت هناك فقط 7 مدارس اولية في كل من تشاد وتضم ما لا يزيد عن خمسمائة طالب كانت المدارس القرآنية تحتوي اكثر من الف طالب في انجمينا وحدها، وتكشف الخرطة الدينية عن وجود السنوسية والميرغنية والقادرية والتجانية والمهدية وبدأت التجانية منذ عام 1901 وكان اسلام رئيس القبيلة يعني اسلام كل القبيلة. وحينما تم تدشين الارسالية اليوسوعية في 1949، توافق ذلك مع دخول قرابة الستين الف في دين الاسلام. ومن الغرائب ان شطارة الهوسا في التجارة دفعت بعض علماء الاجناس لتصنيفهم من اصول يهودية وذات الشئ على الزغاوة.
ويلام شمال السودان احياناً على تجارة الرقيق علما بانها كانت شاخصة في كل غرب افريقيا ولكن لاسباب تتصل باحياء الحقد والكراهية للمحور النيلي تم التركيز على المحور النيلي، حيث حتى النساء من الهوسا وغرب افريقيا شاركن في تجارة الرقيق التي تتضاءل سجلاتها مع وارد السودان النيلي.
الحنين الى المهدية وظهور الاسلام:
ما يزال يراود الذهن الغرب/ افريقاوي الحنين الى فكرة مجدد الدين، المهدي، وفي الفترة 49/1952م - هاجر قرابة 14 الف من الفلاني طلباً لرايته في السودان وتوطنوا في سنار ومن الظواهر ان ثقافة الهوسا تطغى في محياهم فيصبح المحيط هوساوياً بالكلام والزواج والاستيعاب، مثلهم مثل الجلابة الذين جاءوا من دنقلا ونواحيها وعمروا السلطنات الاسلامية من دارفور حتى سكوتو واستطاع الجلابة الامساك بسر التجارة وتجاوز الهوسا، لانهم دخلوا التجارة كشراكات وكان سر تجار انجمينا في عام 1911م من برنو - وما يهم فقد كانت تشاد بالنسبة للهوسا والفلاني وغيرهم منطقة عبور للسودان وليس في تشاد وجوارها مستوطنة للهوسا تعادل حجمهم في الجزيرة في السودان، التي عملوا فيها لعقود وبدأت الادارة الاستعمارية في تشجيعهم منذ العشرينات حتى لا تستخدم ايدي عاملة مصرية - وقد عملوا كعمال زراعيين وحلاقين وجزارين واصحاب حوانيت وصيادي اسماك الخ.
لقد ذهب طريق الحج متلاشياً وتقلصت معه التجارة والمنافع وزادت العطالة مع ازدياد السكان وتلاشت كذلك ثقافة السلام مع تلاشي ثقافة الحج وتلاشي الموارد. وتمثلت ثقافة الحج في بناء المساجد والزوايا والتكايا وتمثل الخطاب الديني العابر للحواجز السياسة.. والعرقية وكذلك في الزواج والخدمة وتبادل الخبرات وتقاطعت الهجرة والاستيطان والحياة المجتمعية مع الارتباط بالحجاز وارسال الكسوة لتخلق نمط حياة خاص وايدلوجية اساسها الحج عبر غرب افريقيا حيث اعطى الدين متمثلا في الحج للسفر والرزق ووحدة الهدف ومثل الحجيج والدعاة طلائع للتثاقف والترابط الروحي والاجتماعي ولكن اليوم بما فضل معظم هوسا التوطن في السودان على العودة لنيجيريا او تشاد مما مثل ضغطاً على الموارد ومهما يكن فان دارفور جديرة بان تكون بحيرة سكانية افريقية قائمة على التعايش والمحبة والعيش المشترك ونموذجاً لافريقيا الجديدة نأمل في ذلك.
ولعل البديل لطريق الحج الذي ادي للسلام والثقافة واستكمال اسلام دارفور طريق انقاذ غربي يصل ما بين الفاشر وكانو من ناحية والفاشر والابيض من ناحية والله اعلم.
والسلام
احداث دارفور بما حملته من مآسي والام واشكالات، دفعت النخب وغيرها لفهم ما يجري، فانعقدت مؤتمرات وصدرت كتب، على اثر التغطية الاعلامية الرهيبة التي احاطت بالحدث، خصوصاً ان من احضروا الاسلحة ورسموا الخرطة واعدوا الهندسة للفتنة، احاطوها كذلك بالحضور الاعلامي فتزامنت الطلقة النارية مع الطلقة الاعلامية وبينما استقرت الطلقة النارية في اجسام سودانية استقرت الطلقة الاعلامية في العقل والوجدان العالمي، فاصبحت دارفور حاضرة وشاخصة في المخيلة والوجدان.
وكغيري فقد شغلت بنبأ دارفور ونبأ ما وراء دارفور وهذا الكتاب يعالج قضايا هجرات شعب الهوسا في تلمسه لطريق الحج وكيف ان هذا الشعب اسهم في التجارة والثقافة والسلام والامن ما بين محور السودان الغربي وعماده كانو وانجمينا ودارفور، ومحور السودان النيلي. وان واسطة العقد كانت دارفور، وتبدأ الدراسة بتحديد منطقة الهوسا والتي هي تخوم ممتدة ما بين النيجر ونيجيريا ومساحتها 75 الف ميل مربع وانه في وقت اجراء الدراسة اي في عام 1969 - 1970 كان هناك 15 مليون هوساوي في نيجيريا و 5،1 مليون هوساوي في النيجر بالاضافة الى الهوسا في التيه اوالغربة في تشاد والسودان والحجاز الخ.
تعريف الهوسا:
ويعني مصطلح هوسا لغة الهوسا وهي لغة شادية، اكتسبت عبر السنين الاف المصطلحات العربية، وتختلف النظريات حول الجذور التاريخية لاصول الهوسا ما بين من ينسبهم الى هجرات من الشرق الاوسط او الى تكتلات سكانية افريقية زنجية، وما يهم في هجرات الهوسا انها اسهمت في تكوين تاريخ وثقافة تشاد وغرب السودان.
ودخل الهوسا تاريخ المنطقة بشدة بعد جهاد الفوديين في مناطق الهوسا بقيادة الشيخ عثمان دان فودي الذي حكم من مدينة سكوتو وتوفى في 1813م. وكانت خلافة سكوتو محاولة رائدة لتطبيق الشريعة و النظام الاسلامي في غرب افريقيا. وتقبل الهوسا حركة الشيخ عثمان وناصروها مما ادى الى امتزاج الهوسا بالفلاني واكتساب الخصائص المشتركة بما فيها اللغة مما شكل صعوبة في التمييز بينهما.
المؤثر الغربي في اسلام السودان:
والى حين من الدهر، تركز الكلام في اسلام السودان، على اشعاع المحور النيلي، الذي يستمد مكوناته من مصر الحجاز والعالم الاسلامي الشرقي في تجاهل للمؤثر الغربي في تشكيل الذات السودانية، وقد تلمس هذا الكاتب ذلك جزئياً في تشريحه لمكونات العقل التشادي والدارفوري.
وتركز جوهر بحث الكاتب، في استقصاء الروايات الشفاهية في عمل ميداني شاق وسط مستوطنات الهوسا في تشاد وعلى الاخص في انجمينا وابشي.
وتوافقت ظروف العمل الميداني، مع تطورات القتال في الثورة التشادية والتي لم يشارك فيها الهوسا الا انهم اثروا وتأثروا بتأثيرات الحرب الاقتصادية والتجارية وتحتضن انجمينا ما يعادل 30% من هوسا تشاد.
ويلخص الهوسا تجربتهم التاريخية القائمة على الاغتراب في المثل القائل «الغريب رجل اعمى له عينان». ويستمد الهوسا خصوصيتهم في المدن التشادية كغرباء وتجار اصحاب اموال ومسلمين ملتزمين ومستوطنين قدامى واصحاب تجارة متجولة، حيث كونت التجارة العابرة للحدود شخصية الهوسا التجارية وارتبط الوجدان والنسيج الاجتماعي للهوسا بطريق الحج ما بين دارفور والمدينة واصبح للهوسا مسار دائري من طرابلس الى بولاق التكرار الى الحجاز ومسار آخر عبر دارفور الفاشر وكردفان ثم الجزيرة الى البحر الاحمر.
قراءة في احصائيات الحج لعام 1970:
وحسب احصائيات الحجاج الافارقة لعام 1970م فقد جاءت نيجيريا في الصدارة بنسبة 24 الف حاج وتليها مصر ما يزيد من 13 الف حاج ثم المغرب حوالي 7 آلاف حاج ثم الجزائر حوالي 6 آلاف حاج والفائدة ان نسب معتبرة من الحجيج النيجيريين من الهوسا مما قد يجعل حجاج الهوسا وحدهم اكثر من الحجيج المصريين في ذاك العام.
ويشير الكاتب الى اشتهار كتاب الفقيه محمد بيلو وسط حجاج غرب افريقيا والمسمى «تنبيه الرافد لما يعتري الحج من مفاسد». علما بانه لم ترصد المراصد، اي امير فلاني في الحج، الا بعد الثلاثينات بعد دخول الخطوط الملكية البريطانية لنقل الحجيج و لكن ما اكثر كبراء وامراء الهوسا الذين ادوا الشعيرة.
واشار الى ذلك ترمنجهام قائلا:« ان طرق غرب افريقيا حملت مخاطر جمة نتيجة للحروبات والغزو الاستعماري ولم يكن وارداً ان يقوم زعيم ديني معتبر بمغامرة اداء الحج ولكن لكل قاعدة استثناء ولاحظ برون broone وجود مواطني غرب افريقيا في نهاية القرن الثامن عشر في دارفور وكردفان حتى الشرق، علما بان اثرياء الفور كانوا يحجون عبر طريق الاربعين.
كما برزت اسطورة ان العصر عصر المهدي وتزامن ذلك مع الجهاد في مناطق الهوسا وكان الشيخ دان فودي يعتقد ان غزواته هي الشروط الموضوعية المطلوبة لتأهيل الزمان والمكان لاستقبال المهدي الذي سيظهر في المحور النيلي مما ادى لهجرة واسعة في اتجاه النيل والحجاز.
المزيد حول نبوءة منسوبة للشيخ دان فودي:
مما نسب الى الشيخ عثمان ان الهجرة الى المهدي ستأخذ طريق بوجو الى مسيهاكوم ثم الى سارا، ثم ساروا ثم واراشي ثم بوسو ثم الى تلال كاجوم - ثم تلال كيجا ثم تلال زرافة ثم الى رواحي ثم الى ديجا ثم الى كاي ثم النوبة ثم مناجم الذهب حيث يوجد 99 جبلاً - وكتب الاسماء بحروفها العربية وعلق الشارح قائلا انه يعرف ثلاثة منها وهي فازوغلي، فافجول وفانكجول وبعد يومين من السفر نصل الى النيل المسيحي.
وربما تكون الاشارة لارض المعدن او حفرة النحاس ومع مرور الاشارة الى النوبة الى انه لم ترد اشارات الى الفاشر او الابيض. وشاعت بعد ذلك اسطورة ان كل المسلمين سيلتقون في مكة في 1400هـ الموافق 1980م.
وبرزت قصة امير المؤمنين محمد الطاهر الذي هاجر في رفقة بضعة الاف من اتباعه الى سودان المحور النيل ولكنه قتل في معركة يورمي على يد الانجليز في عام 1903م بينما واصل ابنه محمد بيلو ما يرنو هجرته التي تأسست عليها مستوطنة ما يرنو الحالية في سنار.
كما شاع ارسال الجواسيس من قبل خلافة صوكتو الى دارفور ووداي منذ ايام السلطان محمد بيلو لتتبع اخبار ظهور المهدي وبرزت ظاهرة المدن المتحركة لانتظار خروج المهدي او الحج او تقوية لاسباب الهجرات الاقتصادية اما في اوساط الهوسا، فقد تركز نشاطها حول الحج ومحبة الحجيج ونظم الحج، وجغرافيته وايدلوجيته وسبل تقوية بناء سياسي مناسب لذلك في اطار ثقافة مادية ولغوية، لان رحلة الحج ارتبطت كذلك باستخدام الارض وصراعاتها وكسب الرزق في هذه الرحلة الطويلة التي ربما استغرقت العمر كله، لذلك يقوم الحاج بتوزيع تركته وكتابة وصيته ويسلم امره للفقيه وكان وجود الفقيه يمثل صمام امان الرحلة للقافلة لانه كرجل مبارك لا ينهب وانما يسمح له ببلوغ مأمنه عبر ابشي ودار صليح والفاشر والنهود والابيض ود مدني ثم على النيل ثم الى سواكن او غيرها.
وسط حروبات القبائل ومجموعات قطاع الطرق والنهب. وادي بروز دولتي رابح فضل الله في بورنو ووداي ودولة علي دينار الى خلق ظروف جديدة ادت احياناً الى تغيير طريق الحج مما يحتاج الى دراسة تفصيلية.
الجيوش الاوروبية تملأ الفراغ في غرب افريقيا:
مثل رابح فضل الله العدو الاول والتحدي الكبير امام القوات الفرنسية الساعية لربط امبراطوريتها في شمال وغرب وافريقيا الاستوائية. بينما مالت بريطانيا لمغازلته. ولكن عزمت فرنسا على استئصاله، بعد ان قتل القائد الفرنسي كرامبل وشتت جيوشه، لذا عمدت فرنسا الى تجميع جيوشها من انحاء الامبراطورية الفرنسية الافريقية «الجزائر وداكار وبرازفيل»، حيث التقت برابح فضل الله في معركة كسري الشهيرة على انهار شاري في الكميرون وعلى بضع اميال من انجمينا الحالية في 22 ابريل 1900م، حيث هزم رابح واغتيل ولكن كذلك بعد ان قام باغتيال قائد القوات الفرنسية لامي الذي سميت انجمينا باسمه «فورت لامي».
مؤثر نيلي اسمه عبد الكريم في وداي:
كثير من السودانيين، لا يعرفون مؤسس دولة وداي في القرن السابع عشر هو نازح نيلي اسمه عبد الكريم مثله مثل احمد المعقور مؤسس دولة الفور ولكن نجهل الكثير كيف استطاع هذا الفقيه النيلي المنسوب لقبائل الجعليين او البديرية ازاحة الاسرة التنجورية الحاكمة، وان اتفقت الروايات على بركته وبسطه للاسلام وتأسيسه للعاصمة في وارا.
وما نعرفه ان خليفته عبد الكريم الثاني او عبد الكريم صابون 1803 / 1813 وسع التجارة وحدود المملكة وجاء على نقيضه خليفته يوسف 1813 / 1839 الذي قيد التجارة واضطهد الناس ولكن اضطر خلفاؤه لاعادة المملكة لسيرتها الاولى في فتح الحدود للتجار والحجاج والسياح واقامة الصلات مع السنوسية في ليبيا.
ومنذ ايام السلطان صابون جاء الجلابة من دنقلا عبر دارفور وتمثلت التجارة في الصمغ العربي والعاج وريش النعام وتمر الهندي والجلود والعبيد واصبحت الفاشر عاصمة دارفور نموذجاً في استقبال الحجيج والتجارة بالنسبة لوداي. ومنذ ذلك الوقت حوت الحوليات صراعات الفلاني مع المساليت والمساليت مع غيرهم من ا لقبائل البدوية الافريقية التي تمثلت الاسلام فاصبح يطلق عليها قبائل عربية.
وحينما وصل الرحالة الشهير التونسي الى وداي وجد الفلاني يتخاطبون باللغة الهوسوية.
وشقت الطريقة التجانية طريقها الى دارفور في شخص عمر جانبو الذي اصبح في حاشية السلطان علي دينار ومؤثراً مثله مثل والد الخليفة عبد الله التعايشي الذي جاء من منطقة لا تزال مثيرة للجدل في غرب افريقيا وعاش وسط التعايشة في جنوب دارفور.
وبرزت في السودان الوسيط كذلك السنوسية واستطاع السيد محمد شريف «1858 / 1835» تحجيم وداي وتأسيس مدينة ابشي الحالية ثالث المدن التشادية في 1850 وجاء توسع السلطان محمد شريف نتيجة للمساعدات التي قدمها له سلطان الفور محمد الفضل كما انتبهت وداي في هذه الفترة الى مركز فيها ما بين كانو والخرطوم، وبن غازي ومامبو وسعت كل من المهدية والسنوسية لكسب ود وداي كما ارتبطت تجارة وداي مع تجارة واو وراجا وكافي كانجي وظلت العربية هي لغة التجارة والحضارة والعبادة في كل منطقة السودان والوسط. كما ظلت دارفور هي مأوى اللاجئين السياسيين من كل المنطقة الممتدة ما بين كانو والخرطوم.
وفي اطار ذلك تجئ اسطورة الحاج بابا علي «babalay» الذي نجح في مد خطوط التجارة الى الفاشر وابشي وجاء بفقهاء للتعليم في ابشي وبني اول مسجد في ابشي، كما برزت في ابشي الطريقة القادرية التي اسسها آل الكنتي الذين جاءوا من تمبكتو وامتدت آثارهم الى دارفور، وكان متوسط الحجيج الذين يدخلون ابشي/ دارفور في الستينات في حدود ما بين 11 الف الى 17 سنوياً - غير القادمين للتجارة والهجرات الاخرى.
بقايا جيش رابح يشكلون اساس السلطة:
ومن سخريات الاقدار ان الاستعمار الفرنسي لم يجد الا ان يرتكز على بقايا اعوان رابح بعد اغتياله في تثبيت اركان ادارتهم حيث اصبح شيخ عمر كورا رئيسا على ديكو dikwa والهوساوي المعلم هارون على جنب البحر في فورت لامي والمعروف ان جيش رابح دمج الكانوري - البرنو - البارما والكوتكو وعرب شوا والتعايشة والباندا وقريش وعلى هؤلاء قامت مدينة انجمينا الحالية. وتكشف احصائيات مدينة فورت لامي «انجمينا» لعام 1911 الوضع الديمغرافي «السكاني للمدينة» حيث جاءت الخريطة العرقية للمدينة كالآتي:
العرب 669
الباندا 307
البارما 80
البوا 43
الفلاني 60
الفور «جلابة» 34
الحداد «هل هم زغاوة» 81
هوسا 80
كانوري «برنو» 606
كوتكو 80
قريش 21
نيلليم 205
ساراكاب 313
سارما ماينجاي 184
جنود سنغاليين 121
الجميع 148،3
ولعل الوضع الديمقرافي الحالي لانجمينا يعتبر انقلابا، مقارنة باوضاعها في عام 1911م ومن المؤكد ان ذات الشئ حدث في دارفور واذا كان في خلال سبعين سنة تضاعف عدد الهوسا فقط في انجمينا من قبضة يد من العائلات الى بضعة آلاف فكذلك الحال في دارفور مع مكونات غرب افريقيا.
واذا كان الانتماء الى الهوسا ليس مجرد مناسبة عنصرية وانما انخراط في مسار تربوي واجتماعي فكذلك الامر والمسار لاكتساب عضوية الانتماء لدارفور.
الاسلام بين تشاد ودارفور:
تترواح التقديرات المعاصرة لمسلمي تشاد ما بين 75% الى 45% من مجمل السكان وربما كان 65% تقدير مناسب. وكما هو الحال في انحاء افريقيا، فان انتشار الاسلام، جاء نتيجة للتجارة والحج والتعليم وبروز ممالك اسلامية في المنطقة - ولكن دارفور هي صومال افريقيا الاخرى، حيث ساد الاسلام وسط الجميع، كما يتبارى الدارفوريون والصوماليون، بوجود اكبر نسبة من حفظة القرآن وسطهم على مستوى العالم الاسلامي، ودخل الاسلام في حوض تشاد منذ القرن الرابع عشر الميلادي على يد الدعاء والقبائل العربية مثل حسونة وجهينة وتوطن العرب كمزارعين ورعاة. وارتبطت مراكز الاسلام حوض تشاد ودارفور بالمراكز الاسلامية في كانو وطرابلس والكفرة والمدن النيلية والساحلية على البحر الاحمر، واذا ما مثلت افريقيا ما وراء الصحراء حدوداً رئيسية في العالم الاسلامي لحركة المد الاسلامي فان تشاد ودارفور تمثلان المركز لهذا القطاع من دار الاسلام بتقاطعها مع اعماق افريقيا وجوارها لشمالها، مما ادى الى ان تكون مسرحاً للتجاذبات الحضارية والدولية ومختلف تأثيرات الاسلام المتبادلة غرباً وشمالاً. كما اصحبت حركة الاسلام في هذه المنطقة مستوعبة للافكار الجديدة في العالم الاسلامي ومرتبطة بما فيه من حراك «سنوسية، مهدية، مغاربية، صوفية، حركات اسلامية معاصر الخ».
مراقبة ورصد الاسلام في تشاد ودارفور:
دلت التجربة التاريخية على عدم القدرة على حجب الاسلام عن تشاد وجوارها فكان البديل هو المسح والرصد والاحتواء وادي طريق الحج وايدلوجية الحج لوحدة الحراك السكاني القائم على التطهر ووحدة الهدف الى اشعاعٍ تضاءل تأثيره بمجئ الطائرة والنقل الحديث.
وقامت السياسة الفرنسية تجاه الاسلام في غرب افريقيا، ان الاسلام رسول حضارة وتوحيد وتجارة وتعليم ولكن يوازي ذلك الخوف من الاسلام كاساس للمقاومة والانعتاق من الاستعمار. و ظلت هذه الازدواجية شاخصة في الذهنية الاستعمارية، فمن ناحية العقل الاسلامي ذكي وماهر ومخلص للعمل والتجارة ولكن كذلك الاسلام يرفض الخنوع للكافر والمحتل علماً بانه يمكن تطوير عقلية اسلامية قابلة للتعايش وسط المغيبين وغير المنتبهين لمطلوبات سلامهم.
سعت الادارة الاستعمارية، لتقوية النزاعات الاسلامية المحلية وتقوية النعرات العرقية والاثنية داخل الاسلام بدعم المساجد المحلية التي تخدم عرقيات بعينها كما عملت على اضعاف الرابط الثقافي مع نيجيريا والنيل والشرق الاوسط وعلى سبيل المثال، فحينما وصلت شحنة ملابس مصرية، بعد الحرب العالمية الثانية تحمل صور محمد نجيب الى انجمينا عام 1953م تم تدميرها لايحاءاتها الثورية.
ظلت السلطات الفرنسية تحتفظ بسجل لكل شخصية دينية وكل حاج هام يمر بالمنطقة، كما حرصت على تقييد حركة الحجيج من السنغال حتى انه من عام 1906 الى 1911 ذهب فقط 11 سنغالياً للحج. وفي 1958م ومن اصل الاف الحجاج العابرين من غرب افريقيا كان فقط 46 من النيجر.
في الخمسينات، كانت هناك فقط اربعة مساجد في انجمينا للجمعة بالاضافة الي الزوايا وكانت هناك 23 زاوية للكانوري «البرنو»، 6 للهوسا، الوداي، الجلابة وواحد للعرب وواحد للسنغاليين ومجموعها 36 مسجداً وزاوية، ويبدو ان 90% من سكان انجمينا مسلمين وكانت نسبة البرنو لكل مسجد 1/ 237 بينما عند الهوسا 1/133.
وفي مسح عام 1947م للخلاوي برز ان هناك 80 خلوة وان معظم مدرسيها جاءوا من نيجيريا ومناطق البرنو والهوسا.
وبينما كانت هناك فقط 7 مدارس اولية في كل من تشاد وتضم ما لا يزيد عن خمسمائة طالب كانت المدارس القرآنية تحتوي اكثر من الف طالب في انجمينا وحدها، وتكشف الخرطة الدينية عن وجود السنوسية والميرغنية والقادرية والتجانية والمهدية وبدأت التجانية منذ عام 1901 وكان اسلام رئيس القبيلة يعني اسلام كل القبيلة. وحينما تم تدشين الارسالية اليوسوعية في 1949، توافق ذلك مع دخول قرابة الستين الف في دين الاسلام. ومن الغرائب ان شطارة الهوسا في التجارة دفعت بعض علماء الاجناس لتصنيفهم من اصول يهودية وذات الشئ على الزغاوة.
ويلام شمال السودان احياناً على تجارة الرقيق علما بانها كانت شاخصة في كل غرب افريقيا ولكن لاسباب تتصل باحياء الحقد والكراهية للمحور النيلي تم التركيز على المحور النيلي، حيث حتى النساء من الهوسا وغرب افريقيا شاركن في تجارة الرقيق التي تتضاءل سجلاتها مع وارد السودان النيلي.
الحنين الى المهدية وظهور الاسلام:
ما يزال يراود الذهن الغرب/ افريقاوي الحنين الى فكرة مجدد الدين، المهدي، وفي الفترة 49/1952م - هاجر قرابة 14 الف من الفلاني طلباً لرايته في السودان وتوطنوا في سنار ومن الظواهر ان ثقافة الهوسا تطغى في محياهم فيصبح المحيط هوساوياً بالكلام والزواج والاستيعاب، مثلهم مثل الجلابة الذين جاءوا من دنقلا ونواحيها وعمروا السلطنات الاسلامية من دارفور حتى سكوتو واستطاع الجلابة الامساك بسر التجارة وتجاوز الهوسا، لانهم دخلوا التجارة كشراكات وكان سر تجار انجمينا في عام 1911م من برنو - وما يهم فقد كانت تشاد بالنسبة للهوسا والفلاني وغيرهم منطقة عبور للسودان وليس في تشاد وجوارها مستوطنة للهوسا تعادل حجمهم في الجزيرة في السودان، التي عملوا فيها لعقود وبدأت الادارة الاستعمارية في تشجيعهم منذ العشرينات حتى لا تستخدم ايدي عاملة مصرية - وقد عملوا كعمال زراعيين وحلاقين وجزارين واصحاب حوانيت وصيادي اسماك الخ.
لقد ذهب طريق الحج متلاشياً وتقلصت معه التجارة والمنافع وزادت العطالة مع ازدياد السكان وتلاشت كذلك ثقافة السلام مع تلاشي ثقافة الحج وتلاشي الموارد. وتمثلت ثقافة الحج في بناء المساجد والزوايا والتكايا وتمثل الخطاب الديني العابر للحواجز السياسة.. والعرقية وكذلك في الزواج والخدمة وتبادل الخبرات وتقاطعت الهجرة والاستيطان والحياة المجتمعية مع الارتباط بالحجاز وارسال الكسوة لتخلق نمط حياة خاص وايدلوجية اساسها الحج عبر غرب افريقيا حيث اعطى الدين متمثلا في الحج للسفر والرزق ووحدة الهدف ومثل الحجيج والدعاة طلائع للتثاقف والترابط الروحي والاجتماعي ولكن اليوم بما فضل معظم هوسا التوطن في السودان على العودة لنيجيريا او تشاد مما مثل ضغطاً على الموارد ومهما يكن فان دارفور جديرة بان تكون بحيرة سكانية افريقية قائمة على التعايش والمحبة والعيش المشترك ونموذجاً لافريقيا الجديدة نأمل في ذلك.
ولعل البديل لطريق الحج الذي ادي للسلام والثقافة واستكمال اسلام دارفور طريق انقاذ غربي يصل ما بين الفاشر وكانو من ناحية والفاشر والابيض من ناحية والله اعلم.
والسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق